فصل: فُرُوعٌ مَنْثُورَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإتقان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.النَّوْعُ الْخَامِسُ وَالْأَرْبَعُونَ: فِي عَامِّهِ وَخَاصِّهِ:

.تَعْرِيفُ الْعَامِّ:

الْعَامُّ: لَفْظٌ يَسْتَغْرِقُ الصَّالِحَ لَهُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ.
وَصِيغَتُهُ الْعَام فِي الْقُرْآن: (كُلُّ) مُبْتَدَأَةٌ، نَحْوَ: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرَّحْمَن: 26] أَوْ تَابِعَةٌ، نَحْوَ: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الْحِجْر: 30].
وَ(الَّذِي وَالَّتِي) وَتَثْنِيَتُهُمَا وَجَمْعُهُمَا، نَحْوَ: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا} [الْأَحْقَاف: 17]. فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ كُلُّ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ هَذَا الْقَوْلُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدَ: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} [الْأَحْقَاف: 18]. {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الْبَقَرَة: 82]. {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يُونُسَ: 26]. {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ} [آلِ عِمْرَانَ: 15]. {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} الْآيَةَ [الطَّلَاق: 4] {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا} الْآيَةَ [النِّسَاء: 15]، {وَاللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا} [النِّسَاء: 16].
(وَأَيُّ، وَمَا، وَمَنْ): شَرْطًا وَاسْتِفْهَامًا وَمَوْصُولًا، نَحْوَ: {أَيًّا مَا تَدْعُو فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الْإِسْرَاء: 110]. {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الْأَنْبِيَاء: 98]. {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النِّسَاء: 123].
وَ(الْجَمْعُ الْمُضَافُ) نَحْوَ: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النِّسَاء: 11].
وَ(الْمُعَرَّفُ بِأَلْ) نَحْوَ: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 1]، {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التَّوْبَة: 5].
وَ(اسْمُ الْجِنْسِ الْمُضَافُ) نَحْوَ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النُّور: 63] أَيْ: كُلِّ أَمْرِ اللَّهِ.
وَ(الْمُعَرَّفُ بِأَلْ) نَحْوَ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [الْبَقَرَة: 275]، أَيْ: كُلَّ بَيْعٍ {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}، أَيْ: كُلَّ إِنْسَانٍ بِدَلِيلِ {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [الْعَصْر: 3].
وَ(النَّكِرَةُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَالنَّهْيِ): نَحْوَ: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الْإِسْرَاء: 23]. {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ} [الْحِجْر: 21]. {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ} [الْبَقَرَة: 2]. {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [الْبَقَرَة: 197].
وَ(فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ) نَحْوَ: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التَّوْبَة: 6].
وَفِي سِيَاقِ (الِامْتِنَانِ) نَحْوَ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الْفُرْقَان: 48].

.فَصْلٌ: أَقْسَامُ الْعَامِّ:

الْعَامُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ:
الْأَوَّلُ: الْبَاقِي عَلَى عُمُومِه: قَالَ الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ وَمِثَالُهُ عَزِيزٌ، إِذْ مَا مِنْ عَامٍّ إِلَّا وَيُتَخَيَّلُ فِيهِ التَّخْصِيصُ، فَقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} [الْحَجّ: 1]. قَدْ يُخَصُّ مِنْهُ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ. وَ{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [الْمَائِدَة: 3]. خُصَّ مِنْهَا حَالَةُ الِاضْطِرَارِ، وَمَيْتَةُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ. (وَحَرَّمَ الرِّبَا) [الْبَقَرَة: 275] خُصَّ مِنْهُ الْعَرَايَا.
وَذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ فِي الْبُرْهَانِ أَنَّهُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ، وَأَوْرَدَ مِنْهُ: {وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الْمَائِدَة: 97]. {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} [يُونُسَ: 44]. {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الْكَهْف: 49]. {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} [فَاطِرٍ: 11]. {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا} [غَافِرٍ: 64].
قُلْتُ: هَذِهِ الْآيَاتُ كُلُّهَا فِي غَيْرِ الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الْبُلْقِينِيِّ أَنَّهُ عَزِيزٌ فِي الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ. وَقَدِ اسْتَخْرَجْتُ مِنَ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْفِكْرِ آيَةً فِيهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الْآيَةَ [النِّسَاء: 23]؛ فَإِنَّهُ لَا خُصُوصَ فِيهَا.
الثَّانِي: الْعَامُّ الْمُرَادُ بِهِ الْمَخْصُوصُ.
الثَّالِثُ: الْعَامُّ الْمَخْصُوصُ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ.
وَلِلنَّاسِ بَيْنَهُمَا فُرُوقٌ:
أَنَّ الْأَوَّلَ: لَمْ يُرَدْ شُمُولُهُ لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ، لَا مِنْ جِهَةِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ، وَلَا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ؛ بَلْ هُوَ ذُو أَفْرَادٍ اسْتُعْمِلَ فِي فَرْدٍ مِنْهَا.
وَالثَّانِي: أُرِيدَ عُمُومُهُ وَشُمُولُهُ لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ، مِنْ جِهَةِ تَنَاوُلِ اللَّفْظِ لَهَا، لَا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْأَوَّلَ مَجَازٌ قَطْعًا، لِنَقْلِ اللَّفْظِ عَنْ مَوْضُوعِهِ الْأَصْلِيِّ. بِخِلَافِ الثَّانِي؛ فَإِنَّ فِيهِ مَذَاهِبَ أَصَحُّهَا أَنَّهُ حَقِيقَةٌ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَجَمِيعُ الْحَنَابِلَةِ، وَنَقَلَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ جَمِيعِ الْفُقَهَاءِ. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: إِنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ؛ لِأَنَّ تَنَاوُلَ اللَّفْظِ لِلْبَعْضِ الْبَاقِي بَعْدَ التَّخْصِيصِ كَتَنَاوُلِهِ لَهُ بِلَا تَخْصِيصٍ، وَذَلِكَ التَّنَاوُلُ حَقِيقِيٌّ اتِّفَاقًا، فَلْيَكُنْ هَذَا التَّنَاوُلُ حَقِيقِيًّا أَيْضًا.
وَمِنْهَا: أَنَّ قَرِينَةَ الْأَوَّلِ عَقْلِيَّةٌ، وَالثَّانِي لَفْظِيَّةٌ.
وَمِنْهَا: أَنَّ قَرِينَةَ الْأَوَّلِ لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ، وَقَرِينَةَ الثَّانِي قَدْ تَنْفَكُّ عَنْهُ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْأَوَّلَ يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا، وَفِي الثَّانِي خِلَافٌ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمُرَادِ بِهِ الْخُصُوصُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آلِ عِمْرَانَ: 173]. وَالْقَائِلُ وَاحِدٌ: نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيُّ أَوْ أَعْرَابِيٌّ مِنْ خُزَاعَةَ، كَمَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ لِقِيَامِهِ مَقَامَ كَثِيرٍ فِي تَثْبِيطِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُلَاقَاةِ أَبِي سُفْيَانَ.
قَالَ الْفَارِسِيُّ: وَمِمَّا يُقَوِّي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَاحِدٌ قَوْلُهُ: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ} [آلِ عِمْرَانَ: 175]. فَوَقَعَتِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِه: {ذَلِكَ مَتَاعُ} إِلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى جَمْعًا لَقَالَ: (إِنَّمَا أُولَئِكُمُ الشَّيْطَانُ) فَهَذِهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي اللَّفْظِ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ} [النِّسَاء: 54]. أَيْ: رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَمْعِهِ مَا فِي النَّاسِ مِنَ الْخِصَالِ الْحَمِيدَةِ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [الْبَقَرَة: 199]. أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِه: مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ قَالَ: إِبْرَاهِيمُ- عَلَيْهِ السَّلَامُ-.
وَمِنَ الْغَرِيبِ قِرَاءَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: (مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسِي) قَالَ: فِي الْمُحْتَسَبِ: يَعْنِي آدَمَ، لِقوله: {فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115].
وَمِنْهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [آلِ عِمْرَانَ: 39] أَيْ: جِبْرِيلُ، كَمَا فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
وَأَمَّا الْمَخْصُوصُ: فَأَمْثِلَتُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَهُوَ أَكْثَرُ مِنَ الْمَنْسُوخِ، إِذْ مَا مِنْ عَامٍّ إِلَّا وَقَدْ خُصَّ.
ثُمَّ الْمُخَصِّصُ لَهُ: إِمَّا مُتَّصِلٌ وَإِمَّا مُنْفَصِلٌ الْقُرْآن:
فَالْمُتَّصِلُ: خَمْسَةٌ وَقَعَتْ فِي الْقُرْآن:
أَحَدُهَا: الِاسْتِثْنَاءُ: نَحْوَ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النُّور: 4- 5]. {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} إِلَى قَوْلِه: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الْآيَةَ [الشُّعَرَاء: 224- 227]. {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} إِلَى قَوْلِه: {إِلَّا مَنْ تَابَ} [الْفُرْقَان: 68- 70]. {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النِّسَاء: 24]. {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [الْقَصَص: 88].
الثَّانِي: الْوَصْفُ: نَحْوَ: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النِّسَاء: 23].
الثَّالِثُ: الشَّرْطُ: نَحْوَ: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النُّور: 33]، {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [الْبَقَرَة: 180].
الرَّابِعُ: الْغَايَةُ: نَحْوَ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} إِلَى قَوْلِه: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التَّوْبَة: 29]، {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} [الْبَقَرَة: 222]. {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [الْبَقَرَة: 196]. {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} الْآيَةَ [الْبَقَرَة: 187].
وَالْخَامِسُ: بَدَلُ الْبَعْضِ مِنَ الْكُلّ: نَحْوَ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آلِ عِمْرَانَ: 97].
وَالْمُنْفَصِلُ: آيَةٌ أُخْرَى فِي مَحَلٍّ آخَرَ، أَوْ حَدِيثٌ، أَوْ إِجْمَاعٌ، أَوْ قِيَاسٌ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا خُصَّ بِالْقُرْآن: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [الْبَقَرَة: 187]. خُصَّ بِقَوْلِه: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ} [الْأَحْزَاب: 49]، وَبِقوله: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجْلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطَّلَاق: 4].
وَقَوْلُهُ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [الْمَائِدَة: 3]. خُصَّ مِنَ الْمَيْتَةِ السَّمَكُ بِقَوْلِه: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [الْمَائِدَة: 96]. وَمِنَ الدَّمِ الْجَامِدِ بِقوله: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} [الْأَنْعَام: 145].
وَقَوْلُهُ: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} الْآيَةَ [النِّسَاء: 20]، خُصَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [الْبَقَرَة: 229].
وَقَوْلُهُ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النُّور: 2] خُصَّ بِقَوْلِه: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النِّسَاء: 25].
وَقَوْلُهُ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النِّسَاء: 3] خُصَّ بِقَوْلِه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} الْآيَةَ [النِّسَاء: 23].
وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا خُصَّ بِالْحَدِيث: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [الْبَقَرَة: 275]. خُصَّ مِنْهُ الْبُيُوعُ الْفَاسِدَةُ- وَهِيَ كَثِيرَةٌ- بِالسُّنَّةِ.
{وَحَرَّمَ الرِّبَا} [الْبَقَرَة: 275] خُصَّ مِنْهُ الْعَرَايَا بِالسُّنَّةِ.
وَآيَاتُ الْمَوَارِيث: خُصَّ مِنْهَا الْقَاتِلُ وَالْمُخَالِفُ فِي الدِّينِ بِالسُّنَّةِ.
وَآيَةُ تَحْرِيمِ الْمَيْتَة: خُصَّ مِنْهَا الْجَرَادُ بِالسُّنَّةِ.
وَآيَةُ: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [الْبَقَرَة: 228] خُصَّ مِنْهَا الْأَمَةُ بِالسُّنَّةِ.
وَقَوْلُهُ: {مَاءً طَهُورًا} [الْفُرْقَان: 48] خُصَّ مِنْهُ الْمُتَغَيِّرُ بِالسُّنَّةِ.
وَقَوْلُهُ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا} [الْمَائِدَة: 38] خُصَّ مِنْهُ مَنْ سَرَقَ دُونَ رُبْعِ دِينَارٍ بِالسُّنَّةِ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا خُصَّ بِالْإِجْمَاع: آيَةُ الْمَوَارِيثِ، خُصَّ مِنْهَا الرَّقِيقُ، فَلَا يَرِثُ بِالْإِجْمَاعِ، ذَكَرَهُ مَكِّيٌّ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا خُصَّ بِالْقِيَاس: آيَةُ الزِّنَا: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النُّور: 2] خُصَّ مِنْهَا الْعَبْدُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْأَمَةِ الْمَنْصُوصَةِ فِي قَوْلِه: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النِّسَاء: 25] الْمُخَصِّصِ لِعُمُومِ الْآيَةِ. ذَكَرَهُ مَكِّيٌّ- أَيْضًا-.

.فَصْلٌ: مِنْ خَاصِّ الْقُرْآنِ مَا كَانَ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ السُّنَّةِ:

وَهُوَ عَزِيزٌ، وَمِنْ أَمْثِلَتِه:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ} [التَّوْبَة: 29] خَصَّ عُمُومَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ».
وَقوله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [الْبَقَرَة: 238] خَصَّ عُمُومَ نَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ بِإِخْرَاجِ الْفَرَائِضِ.
وَقوله: {وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا} الْآيَةَ [النَّحْل: 80]، خَصَّ عُمُومَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ».
وَقَوْلُهُ: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} [التَّوْبَة: 60] خَصَّ عُمُومَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ».
وَقَوْلُهُ: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الْحُجُرَات: 9] خَصَّ عُمُومَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِالسَّيْفِ فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ».

.فُرُوعٌ مَنْثُورَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ:

الْأَوَّلُ: إِذَا سِيقَ الْعَامُّ لِلْمَدْحِ أَوِ الذَّمِّ، فَهَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى عُمُومِهِ؟ فِيهِ مَذَاهِبُ؟
أَحَدُهَا: نَعَمْ؛ إِذْ لَا صَارِفَ عَنْهُ، وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْعُمُومِ وَبَيْنَ الْمَدْحِ أَوِ الذَّمِّ.
وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَقْ لِلتَّعْمِيمِ بَلْ لِلْمَدْحِ أَوْ لِلذَّمِّ.
وَالثَّالِثُ:- وَهُوَ الْأَصَحُّ- التَّفْصِيلُ، فَيَعُمُّ إِنْ لَمْ يُعَارِضْهُ عَامٌّ آخَرَ لَمْ يُسَقْ لِذَلِكَ وَلَا يَعُمُّ إِنْ عَارَضَهُ ذَلِكَ؛ جَمْعًا بَيْنَهُمَا.
مِثَالُهُ- وَلَا مُعَارِضَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الِانْفِطَار: 13- 14].
وَمَعَ الْمَعَارِض: قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [الْمُؤْمِنُونَ: 5- 6] فَإِنَّهُ سِيقَ لِلْمَدْحِ، وَظَاهِرُهُ يَعُمُّ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ جَمْعًا. وَعَارَضَهُ فِي ذَلِكَ: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النِّسَاء: 23]، فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِجَمْعِهِمَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَلَمْ يُسَقْ لِلْمَدْحِ، فَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، بِأَنْ لَمْ يُرَدْ تَنَاوُلُهُ لَهُ.
وَمِثَالُهُ فِي الذَّمّ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} الْآيَةَ [التَّوْبَة: 34]، فَإِنَّهُ سِيقَ لِلذَّمِّ، وَظَاهِرُهُ يَعُمُّ الْحُلِيَّ الْمُبَاحَ، وَعَارَضَهُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ: «لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ». فَحُمِلَ الْأَوَّلُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ.
الثَّانِي: اخْتُلِفَ فِي الْخِطَابِ الْخَاصِّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} هَلْ يَشْمَلُ الْأُمَّةَ؟ فَقِيلَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْقُدْوَةِ أَمْرٌ لِأَتْبَاعِهِ مَعَهُ عُرْفًا، وَالْأَصَحُّ فِي الْأُصُولِ الْمَنْعُ، لِاخْتِصَاصِ الصِّيغَةِ بِهِ.
الثَّالِثُ: اخْتُلِفَ فِي الْخِطَابِ بِـ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} هَلْ يَشْمَلُ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ عَلَى مَذَاهِبَ:
أَصَحُّهَا- وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ- نَعَمْ؛ لِعُمُومِ الصِّيغَةِ لَهُ. أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إِذَا قَالَ اللَّهُ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا افْعَلُوا} فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ.
وَالثَّانِي: لَا؛ لِأَنَّهُ وَرَدَ عَلَى لِسَانِهِ لِتَبْلِيغِ غَيْرِهِ، وَلِمَا لَهُ مِنَ الْخَصَائِصِ.
وَالثَّالِثُ: إِنِ اقْتَرَنَ بـ: (قُلْ) لَمْ يَشْمَلْهُ لِظُهُورِهِ فِي التَّبْلِيغِ، وَذَلِكَ قَرِينَةُ عَدَمِ شُمُولِهِ؛ وَإِلَّا فَيَشْمَلُهُ.
الرَّابِعُ: الْأَصَحُّ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْخِطَابَ {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} يَشْمَلُ الْكَافِرَ وَالْعَبْدَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ. وَقِيلَ: لَا يَعُمُّ الْكَافِرَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَكْلِيفِهِ بِالْفُرُوعِ، وَلَا الْعَبْدَ لِصَرْفِ مَنَافِعِهِ إِلَى سَيِّدِهِ شَرْعًا.
الْخَامِسُ: اخْتُلِفَ فِي (مَنْ) هَلْ تَتَنَاوَلُ الْأُنْثَى؟ فَالْأَصَحُّ: نَعَمْ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ.
لَنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [النِّسَاء: 124]، فَالتَّفْسِيرُ بِهِمَا دَالٌّ عَلَى تَنَاوُلِ (مِنْ) لَهُمَا. وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ} [الْأَحْزَاب: 31].
وَاخْتُلِفَ فِي جَمْعِ الْمُذَكَّرِ السَّالِمِ هَلْ يَتَنَاوَلُهَا؟ فَالْأَصَحُّ: لَا، وَإِنَّمَا يَدْخُلْنَ فِيهِ بِقَرِينَةٍ. أَمَّا الْمُكَسَّرُ: فَلَا خِلَافَ فِي دُخُولِهِنَّ فِيهِ.
السَّادِسُ: اخْتُلِفَ فِي الْخِطَابِ بِـ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ}، هَلْ يَشْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ؟
فَالْأَصَحُّ: لَا؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ قَاصِرٌ عَلَى مَنْ ذُكِرَ. وَقِيلَ: إِنْ شَارَكُوهُمْ فِي الْمَعْنَى شَمِلَهُمْ وَإِلَّا فَلَا.
وَاخْتُلِفَ فِي الْخِطَابِ بِـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} هَلْ يَشْمَلُ أَهْلَ الْكِتَابِ؟ فَقِيلَ: لَا، بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: نَعَمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ، قَالَ: وَقَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} خِطَابُ تَشْرِيفٍ لَا تَخْصِيصٍ.